بقلم الباحث/عوني محمد العلوي
مقدمة
الذي دفعني لأن أثير قضية عرب الأندلس وما عانوه من ظلم وقهر وإذلال هو ما يعيشه العرب والمسلمين في القرن الحادي والعشرين فالحرب الصليبية لم تتوقف منذ أن بدأت في القرن التاسع الميلادي حتى زمننا هذا بسبب الحقد والعنصرية البغيضة من اليهود والنصارى على الإسلام والعقدة التي عاشها اليهود والنصارى في حقدهم على المسلمين وإتباع كافة الطرق للقضاء على الإسلام والمسلمين فعندما احتلت بريطانيا وفرنسا وبقية الدول الأوروبية الاستعمارية المشرق العربي والمغرب العربي والعالم الإسلامي مارسوا عليهم أشد التعذيب والقهر لمحو هذا الدين عن الوجود واعتبار أنفسهم الأفضل في كل شيء ورأينا ماذا فعلت بريطانيا في فلسطين وبقية الدول التي احتلتها بريطانيا ورأينا كيف أعطى هذا الأستعمار البغيض "بريطانيا"اليهود وطن لهم على أرض فلسطين الإسلامية" لكي يدمروا الإسلام ويشقوا وحدته فقد عذب الشعب الفلسطيني تعذيباً لا يطيقه أحد من قبل المستعمر البغيض ففي السجون كانوا يمارسون القتل والتعذيب ضد المجاهدين والأبرياء على حد سواء حتى وصلت بهم الخسة والنذالة إلى عمليات اغتصاب كثيرة في السجون.ولا نريد أن نسرد أحداث أخرى لأن هذا يحتاج مجلدات لوصف هؤلاء الأوغاد وفي هذا العصر الهزيل الذي يعيشه العرب والمسلمين من ظلم حكامهم واستعباد أمريكا لهم فإننا نسمع ونرى التعذيب التي تمارسه أمريكا على المسلمين في أفغانستان والعراق وفي فلسطين العدو الصهيوني اللعين،فالتعذيب ليس بجديد على الصليبيين الحاقدين وإنما هي ممارسة وعمل وهواية يتمتع بها هؤلاء الأوغاد
كيف كان جزاء الغرب للأندلس التي أعارته العقلانية والتنوير وأسباب النهضة؟
وها استطاع الإنسان الغربي أن يتجاوز عقدته هذه المرة تجاه الحضارات الأخرى ويتعايش مع هذه الحضارة؟
أم أن عقدته ظلت مستحكمة ولما يتمكن من الإفلات منها ولو مرة واحدة في تاريخه ليتجاوز مع حضارة ما؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة قد يقول البعض هذه التساؤلات زاعماً أنها مركزية غربية معكوسة وهي بالتالي ذات طبيعة عدوانية تجاه الأخر.
ولكن ذلك غير صحيح لأن التجربة التاريخية في الصراع الحضاري بين الغرب والحضارات الأخرى في الأمريكتين وأفريقيا وآسيا تؤكد على أن الغرب كان أبداً أسيراً لعقدته تجاه حضارات الآخر ولعل ما آل إليه حال الإسلام والمسلمين الذين تجذّر وجودهم في الأندلس،يمثل أوضح نموذج لتلك الروح العدوانية.
ولسنا هنا في مقام استقصاء كل عمليات القتل وحرق الأحياء وتدمير وإبادة التراث الإسلامي التي نفذها الصليبيون في الأندلس كما وثقها المؤرخون،ولكن سنذكر بعض الأمثلة والنماذج،لكي نتعرف على جزاء سنمار الذي كان نصيب المسلمين وتراثهم في الأندلس.
لقد عامل الصليبيون أهل الأندلس بعد أن سقطت بأيديهم بروح ثأرية عدوانية،حتى أن القسيسيين كتبوا على جميع من كان اسلم من النصارى أن يرجعوا قهراً إلى الكفر،ففعلوا ذلك،وتكلم الناس ولا جهد لهم ولا قوة ثم تعدوا إلى أمر أخر وهو أن يقولوا للرجل المسلم:
إن جدك كان نصرانياً فأسلم فترجع نصرانياً0وبالجملة فإنهم تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة وامتنع قوم عن التنصر واعتزلوا النصارى فلم ينفعهم ذلك وامتنعت قرى وأماكن كذلك،منها بلفيق وأندرش وغيرهما،فجمع لهم العدو الجموع واستأصلهم عن آخرهم قتلاً وسلبا
وكانت أحكام الإعدام بالنار كثيرة ضد المسلمين وكانت تنفذ في مهرجانات عظيمة يتفرج فيها القساوسة ورجال الدولة والأهالي وأحياناً الملك وكبار رجال دولته وكان يحرق المتهمون جماعياً في مواكب الموت للترهيب،وأحياناً عائلات بأكملها بأطفالها ونسائها وكانت محاكم التفتيش تحاكم الموتى فتنبش قبورهم وتتابع الغائبين وتعاقب أهلهم وكان أعضاؤها يتمتعون بالحصانة الكاملة.
وكان المتهم يسجن في سجن ضيق خشن يقيد فيه بالأغلال ويحرم من الطعام والشراب والنوم000وتلجأ المحكمة إلى درجات أشد وأقسى من صنوف التعذيب،منها تعليق المتهم من يديه ورجليه على الحائط ومنها دفع المتهم إلى مكان عال وإلقائه ليهوى على الأرض ومنها أيضاً الكي بشعلة ملتهبة وتعريض قدمي المتهم بعد أن تطليا بالشحم إلى نار ملتهبة ثم يظهر المفتش لانتزاع الاعتراف وفي كثير من الحالات كان الكثير يموتون قبل الإدلاء بأي اعتراف وقد نجحت أساليب محاكم التفتيش في جر الأب لأن يشهد على ابنه والابن على أبويه والزوج ضد زوجته والزوجة على زوجها وقد هنأ البابا جريجوري التاسع في إحدى المرات المفتش الكنيسي العام في شمال فرنسا على نجاحه المنقطع النظير في إرهاب الناس،حتى شهد الكثيرون ضد ذنوبهم من لحمهم ودمهم
الموريسكيون هم العرب المتنصرون الذين عاشوا في بلادهم الأندلس بعد سقوطها واضطروا للتظاهر بالنصرانية ولكنهم تكتموا إيمانهم فكانوا يقيمون الصلاة في منازلهم ويغتسلون ويمارسون شعائرهم بصورة سرية.
وكتبوا القرآن الكريم سراً باللغة العربية مقروناً بشروح وتراجم الخميادية و"الألخميادو"هي اللغة التي اتخذها الموريسيكيون بعد أن منعوا من استعمال العربية وقد عرفها منديت أي بلايو "بأنها اللغة الرومانية القشتالية تكتب بأحرف عربية "
وقد استعمل الموريسكيون هذه اللغة في كتابة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والمدائح النبوية وقصص الأنبياء وبعض كتب الفقه والحديث مع كتابة البسملة والآيات القرآنية دائماً خلال هذه الشروح السرية باللغة العربية وقد كانت معظم الكتب الالخميادية تكتب بالشكل الكامل حتى يمكن قراءتها بطريقة صحيحة.
وقد ترك الموريسكيون تراثاً أدبياً من النثر والنظم استعملوا في كتابته "الالخميادو،وتوجد منه مجموعات كثيرة في مكتبة مدريد الوطنية ومكتبة أكاديمية التاريخ.
ولكن محاكم التحقيق "التفتيش"لاحقت الموريكسيين فحظرت عليهم كل ممارسة أو شعيرة إسلامية يمارسونها في الخفاء حتى أنها وضعت قائمة طويلة بهذه المحظورات ومنها:
أن الموريسكي أو العربي المنتصر يعتبر أنه قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح محمداً أو قال إن يسوع المسيح ليس إلهاً ومنها:
أن يحتفل يوم الجمعة بأن يلبس ثياباً أنظف من ثيابه العادية أو يستقبل المشرق قائلاً"باسم الله"أو يختن أولاده،أو يسميهم بأسماء عربية أو يقسم بإيمان القرآن أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله،أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وجهه نحو المشرق إلى غير ذلك من الأمور التي لا نهاية لها.
وكان قد صدر قانون في عهد الإمبراطور شارلكمان سنة 1626م يحرم على الموريسكيين التخاطب باللغة العربية وارتداء الثياب العربية واستعمال العمامات وإقامة الحفلات على الطريقة الإسلامية.وفي سنة 1555توفي هذا الإمبراطور وخلفه ولده الملك فيليب الثاني الذي كان شديد التعصب والتزمت فحدد ذلك القانون القديم بتحريم استعمال اللغة العربية وسائر ما هو عربي من العادات والتقاليد وأعلن قانوناً في غرناطة أول يناير سنة 1567م في اليوم الذي سقطت فيه غرناطة ينص على أنه:
يمنح الموريسكيون ثلاثة أعوام لتعلم اللغة القشتالية ثم لا يسمح بعد ذلك لأحد منهم أن يتكلم،أو يكتب ،أو يقرأ اللغة العربية أو يتخاطب بها،وكل معاملات أو عقود تجري بالعربية تكون باطلة،ولا يعتد بها لدى القضاء أو غيره ويجب أن تسلم الكتب العربية من أية مادة لتقرأ وتفحص ثم يرد غير الممنوع منها لتبقى لدى أصحابها مدى الأعوام الثلاث فقط.
وكذلك الثياب العربية،فلا يصنع منها أي جديد ولا يصنع إلا ما كان مطابقاً لأزياء النصارى ويحضر على النساء الموريسكيات التحجب وعليهن أن يكشفن وجوههن وأن يرتدين المعاطف والقبعات عند الخروج ويجب أن تجري سائر حفلاتهم طبقاً لتقاليد الكنيسة وعَرف النصارى ويجب أن تفتح المنازل أثناء الاحتفال بأية مناسبة وكذلك أيام الجمع والأعياد ليستطيع القس ورجال السلطة أن يروا ما يقع بداخلها من المظاهر والرسوم المحرمة ويحرم إنشاد الأغاني القومية ويحرم الخضاب بالحناء ولا يسمح بالاستحمام في الحمامات ويجب أن تهدم سائر الحمامات العامة والخاصة.
لم يتوقف اضطهاد الموريسكيين عند هذا الحد وإنما تواصل حتى أننهى إلى أن يتخذ مجلس الدولة قراراً بالإجماع في 30-1-1608م،ينص على طرد الموريسكيين من بلادهم ونفيهم إلى خارج أسبانيا وقد اتخذت تدابير قمعية رهيبة إزاء من تخلف منهم عن الرحيل فمثلاً صدر قرار صدر قرار عام 1611م بالنسبة للمتخلفين من المسلمين في "بلنسية"يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي وله الحق في استعباده وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل.
لقد لخص العلامة الأسباني "الدون برونات"في كتابه "الموريسكيون الأسبان ونفيهم"بعض ما لحق الآداب والفنون في أسبانيا من ظلامية ونضوب بفعل نفي الموريسكيين وأبادتهم بقوله:"عن السياسة الأسبانية لم تكتف بنفي الموريسكيين وما ترتب عليه من نضوب حقولنا ومصانعنا وخزائننا ولم يقتصر الأمر على انتصار التعصب وبربرية "ديوان التحقيق"بل تعداه إلى اختفاء الشعر وشعور الجمال الموريسكي والأدب السليم الذي رفع سمعة تاريخنا،انه اختفى بنفي الموريسكيين الأدب المعطر والشاعرية الشعبية والخيال الممتع ومصدر الوحي الذي كانوا يمثلونه وقد غاض باختفائهم من شعرنا هذا التلوين والفن والحيوية والإلهام والحماسة التي كانت من خواصهم وحل محلها الظلام في الأفق الأدبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وقع قرار النفي على الموريسكيين وقع الصاعقة وسادهم الوجوم والذهول وكان عصر الثورة والمقاومة قد ولى ونهكت قواهم ونضبت مواردهم وكانت الحكومة الأسبانية قد اتخذت عدتها للطوارئ وحشدت قواتها في جميع الأنحاء الموريسكية واجتمع زعماء الموريسكيين وفقهاؤهم في بلنسية وقرروا انه لا أمل في المقاومة وأنه لا مناص من الخضوع واستقر الرأي على أن يرحلوا جميعاً وألا يبقى منهم احد حتى ولا الستة في المائة التي سمح ببقائها وأن من بقي منهم أعتبر مرتداً مارقاً ومع ذلك فقد وقعت ثورات محلية ولكنها كانت ثورة المحتضر فأخمدت حركاتهم بسرعة وقتل منهم عدد جم.
وأخيراً وهي الحقيقة أنه يصعب على الباحث أن يعتقد أن أسبانيا النصرانية قد استطاعت حقاً بكل ما لجأت إليه من الوسائل المغرقة والهمجية المفرطة أن تقضي نهائياً على آثار الأمة العربية فإن تاريخ الحضارة يدلنا على أنه من المستحيل أن تجتث آثار السلالات البشرية خصوصاً متى لبثت آماداً متخلفة متداخلة،وعلى أن حضارة أمة من الأمم إنما هي خلاصة لتفاعل الأجيال المتعاقبة وفي وسع مؤرخ الحضارة أن يلمس في تكوين المجتمع الأسباني الحاضر،ولا سيما في الجنوب في ولايات الأندلس القديمة وفي خصائصه وتقاليده وفي حياته الاجتماعية وفي حضارته على العموم كثيراً من الخلال والظواهر التي ترجع في روحها إلى تراث العرب والحضارة الإسلامية.
المصادر والمراجع
1-تاريخ ابن خلدون المسمى كتاب العبر.طبعة بولاق
2-الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب ج1القاهرة 1956م
3-دولة الإسلام في الأندلس/محمد عبد الله عنان-مكتبة الخانجي-القاهرة