جاء الفتح

جاء الفتح

 

بعد تحمل المشاق والأذى في سبيل الدعوة إلى الله , وبعد التعذيب والقهر والحرمان , وبعد الصبر جاء النصر , إنما النصر صبر ساعة , أنظر إلى سيرة الأنبياء والمرسلين وما لاقوه من أذى في سبيل نشر دعوتهم , ثم لا يجدون لها إلا صدى بسيط يخترق آذان الضعفاء , ولكن مع الصبر وتحمل الأذى نرى هذا الصدى يكبر ويتحول إلى نصر مؤزر , فالصبر مفتاح الفرج ومفتاح النصر في كل شيء , فالأعمال تحتاج إلى وقت لإنجازها والصبر على هذا الوقت يؤدي إلى إنجازها , ولنأخذ على سبيل المثال الصوم عبادة تتطلب عن الامتناع عن الأكل والشرب والملذات الأخرى المسموحة للمسلم في حال إفطاره , فبدون الصبر على الجوع والعطش والامتناع عن الملذات الأخرى لن يحقق المسلم هذا الصيام , وبالتالي لن يحقق الفوز برضا الرحمن ودخول الجنة من باب الريان , وباقي العبادات كذلك , وفي المعركة نرى أنَّ المنتصر فيها ليس من كثر عدده وعتاده ولكن من كثرت عزيمته وصبره , والدعوة إلى الله تحتاج إلى الصبر وتحمل المشاق من أجل إيصال هذه الدعوة إلى كل مكان حتى تملأ الدنيا , ولنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة في نشر دعوته التي بدأت به وحده ثم انتشرت وعمت أرجاء الدنيا , فصبر وتحمل المشقة والعناء والأذى ولم يكل ولم يمل وواصل نشر دعوته حتى فارقت روحه الطاهرة جسده الطاهر , فكان نعم معلم ونعم قائد , ولقد رأينا ما تعرض له من الأذى في رحلته إلى الطائف لتبليغ دعوة الله وما فعله أهل الطائف معه من الصدود والسخرية وتسليط غلمانهم وسفهائهم ورميهم له بالشتائم والحجارة حتى أدميت قدماه الشريفتين , ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم تحمل ذلك ولم ييأس ولم يكل ولم يمل وواصل دعوته , ولم يسعى للإنتقام ممن آذوه , فعندما نزل الوحي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إذناً من الله وواساه فقال له : إن أردت أن أطبق عليهم الأخشبين , فقال عليه الصلاة والسلام بلغة الصابر المحتسب الواثق بأن دعوته ستجد لها صدى إن لم يكن مع هؤلاء الرجال فمن ذريتهم : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً " , وبالفعل تحقق ما رجاه رسولنا عليه الصلاة والسلام وغدت الطائف مدينة من مدن الإسلام في سنوات قليلة .

وبعد الصبر وتحمل الأذى جاء النصر والفتح , يقول الله تعالى : " إذا جاء نصر الله والفتح , ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا , فسبح بحمد ربك واستغفره , إنَّ كان توابا " .

وأنصح إخواني من الدعاة أن يكونوا على درجة عالية من الصبر ودرجة عالية من الثقة بنصر دعوتهم دعوة رسولهم الكريم , ولكن لابد من أن يتحملوا الأذى والضرر في سبيل نشر هذه الدعوة المباركة التي كتب الله لها النصر إن كان عاجلاً أم آجلاً , يقول الله تعالى : " إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " .  

 

 

                                                   بقلم / أ. أحمد محمد أبوخضير

                                                    

                                                   الإدارة العامة للوعظ والإرشاد