رسائل الأوقاف لمواجهة وباء كورونا
الرسالة الرابعة: الْحَقُّ الشَّرْعِيُّ لأَهْلِ الطِّبِّ وَالْأَمْنِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
📙 قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
✒ وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا..) [صحيح، أخرجه: أبو داود/سننه].
📌 وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: (إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) [أخرجه: مسلم/صحيحه].
🔍 وقد تأول السلف الماضون ﴿أُولِي الْأَمْرِ﴾ بتأويلين: الأمراء، والعلماء في ميادين العلم وفنونه، فالعالم في ميدان الشريعة هو الفقيه، وفي ميدان الصحة هو الطبيب، وفي ميدان المهن هو المهندس الخبير في علم مهنته، وفي ميدان الاقتصاد عالم الاقتصاد، وهكذا.
💊 ولما كان موضوع الجائحة التي نزلت ببلدنا متعلقا بالصحة والأمن؛ فإن ولاة الأمر هم: علماء الطب، والأمراء في ميادين القيادة، وأقسامها المختلفة.
💡 وعلى ضوء هذا البيان: فإن الحق الشرعي اللازم من المجتمع بجميع أفراده المتحقق فيهم شروط التكليف تجاه أهل الطب، والأمن، ما يلي:
🔸 أولاً: وجوب طاعتهم، وقبول نصحهم، وسرعة تنفيذ أمرهم؛ للأمر المذكور في الأدلة السالفة، وهو حقيقة في الوجوب؛ إذ لا صارف يصرفه عن ذلك، وينبغي أن يعلم أن طاعتهم هي طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما أمرا بذلك، ويعضد هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي) [أخرجه: البخاري ومسلم في صحيحهما].
🔸 ثانياً: حفظ حقوقهم، ويدخل في ذلك حبهم ونصرتهم في الحق، والإخلاص لهم، وقبول نصحهم في المعروف، والدعاء لهم بدوام العافية والتوفيق؛ فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ) [أخرجه: البخاري ومسلم في صحيحهما].
✍🏿 قال ابن رجب رحمه الله: وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل. [جامع العلوم والحكم].
🔸 ثالثاً: وجوب إعانتهم، وتكثير سوادهم، وكف ضيعتهم، وإحاطتهم من ورائهم، ومنع النجوى الآثمة فيهم، وخلفهم في أهليهم خيرا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ) [حسن، أخرجه: أبو داود في سننه].
قوله: (يكف عليه ضيعته) أي: يدفع عنه ما يضره في معاشه ورزقه، وأهله وولده، ويسهم فيما يحفظهم عليه؛ ليبقى آمنا مطمئنا. وقوله: (ويحوطه من ورائه) أي: يحفظه ويصونه، ويذب عنه، ويدفع عنه من يغتابه أو يلحق به ضررا، ويعامله بالإحسان بقدر الطاقة، والشفقة، والنصيحة، وغير ذلك. [انظر: فيض القدير للمناوي].
✒ وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ؛ فَقَدْ غَزَا) [أخرجه: مسلم/صحيحه].
📌 ويلحق بالغازي: كل غائب عن أهله في مصلحة من مصالح بلده، كالأطباء، والرسل، والسفراء، ورجال الأمن، والشرط، والخدمات؛ فيكفون في أهليهم من الخير؛ قال النووي: وهذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته، وفي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين، أو قام بأمر من مهماتهم. [شرح النووي على مسلم]
📃 وبعد هذا البيان: أرجو أن تكون حقوق هؤلاء الأشاوس موضع اهتمام المجتمع كله؛ حتى تحفظ وتؤدى على تمام.
🤲 والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد.
✍🏿 كتبه/ أ.د. سلمان نصر الدايه
أستاذ الفقه وأصوله، والخطيب بوزارة الأوقاف.
🕌 وزارة الأوقاف والشؤون الدينية